responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق المؤلف : القرافي، أبو العباس    الجزء : 1  صفحة : 49
عَنْ الْمُعَارِضِ نَعَمْ إذَا وَجَدْنَا مُنَاسِبَيْنِ تَعَارَضَا أَوْ مُدْرَكَيْنِ تَقَابَلَا فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ التَّوَقُّفُ وَهَذَا تَقْرِيرٌ ظَاهِرٌ فِي دَفْعِ هَذَا السُّؤْلِ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ: (الصُّورَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْشَأَ السَّبَبِيَّةَ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ دَالًّا عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ هَذَا الْإِنْشَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ عِنْدَنَا أَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ لَا نَفْسُ الْأَحْكَامِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الشُّرُوطِ كَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ كَالْكُفْرِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَدَثِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْوُجُوب وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كُلُّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ إنَّمَا هِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنَّا إذَا قَالَ لِغُلَامِهِ اُسْرُجْ الدَّابَّةَ فَقَدْ أَنْشَأَ فِي نَفْسِهِ إيجَابًا وَطَلَبًا لِلْإِسْرَاجِ قَبْلَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ، وَكَذَلِكَ النَّهْيُ وَغَيْرُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إنْشَاءَ الْخَلْقِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَادِثٌ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِنْشَاءُ الْقَدِيمُ وَلَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّك قَرَّرْتَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ طَارِئًا عَلَى الْخَبَرِ، وَوَصْفُ الطُّرُوءِ يَأْبَى الْأَزَلِيَّةَ.
(قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوجِبُ فِي الْأَزَلِ عَلَى زَيْدٍ الْمُعَيَّنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ مُجْتَمِعَ الشَّرَائِطِ مُزَالَ الْمَوَانِعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا يَجِدُ أَحَدُنَا فِي نَفْسِهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْفَضَائِلِ مِنْ وِلْدَانِ رِزْقِهِ وَهُوَ الْآنَ لَا وَلَدَ لَهُ فَيَتَقَدَّمُ مِنَّا الطَّلَبُ عَلَى وُجُودِ الْمَطْلُوبِ، وَتَقَدُّمُ الطَّلَبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ لَا غَرْوَ فِيهِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ اللُّغَوِيَّيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، أَمَّا فِي الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا بَلْ هُمَا نَوْعَانِ لِمُطْلَقِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقَاتِهِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَهُوَ الْخَبَرُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّرْجِيحِ فَإِنْ كَانَ فِي طَرَفِ الْوُجُودِ فَهُوَ الْإِيجَابُ أَوْ الْعَدَمِ فَهُوَ التَّحْرِيمُ أَوْ تَعَلَّقَ بِالتَّسْوِيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَلِذَلِكَ صُورُ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْشَأَ السَّبَبَ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ دَالًّا عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ هَذَا الْإِنْشَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] إلَى قَوْلِهِ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِنْشَاءُ الْقَدِيمُ، وَلَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ) قُلْتُ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ إنْ أَرَادَ بِتَقْدِيرِ الْوُجُودِ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يَلْزَمُهُ التَّرَدُّدُ كَمَا فِي حَقِّنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ مُجَرَّدَ الْإِمْكَانِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَنْ يُمْكِنُ وُجُودُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ وَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ.
قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ اللُّغَوِيَّيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ.
وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ وَعَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: 95] يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَيَبْقَى الظَّاهِرُ وَهُوَ مَرْجِعُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] خَاصٌّ بِالرَّشِيدَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ مَرْجِعُهُ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ مَعَ بَقَاءِ الْمُطَلَّقَاتِ مَرْجِعُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَعَنْ الْأَمْرِ الثَّالِثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَيْنِ يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي حُكْمَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ نَافَاهُ وَكَانَ رَدًّا لِحُكْمِهِمْ لَكَانَ حُكْمُهُمْ أَيْضًا رَدًّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِشَاةٍ» أَيْضًا، وَعَنْ الْأَمْرِ الرَّابِعِ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ بَلْ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ كَفَّارَةً فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَبَطَلَ الْقِيَاسُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا كُلُّهُ، وَثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ ذَوِي الْعَدْلِ مِنْكُمْ فِي الصَّيْدِ مِنْ مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ لَا الْخَبَرِ لَمْ يَبْقَ إشْكَالٌ بَيْنَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ السَّابِقِ وَالْحُكْمِ اللَّاحِقِ فَتَفَطَّنْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ]
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ وَالْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ، وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ لَا مَا فِي عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ قَوْلَيْنِ وَمَا فِي عِبَارَةِ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ بِلِسَانِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنَّ مَنْ نَوَى طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ ثُمَّ بَدَا لَهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ امْرَأَتَهُ مُطَلَّقَةً وَجَزَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ إجْمَاعًا.
(قُلْتُ) فَمِنْ هُنَا نَقَلَ الْبُنَانِيُّ عَنْ التَّوْضِيحِ مَا نَصُّهُ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ

اسم الکتاب : الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق المؤلف : القرافي، أبو العباس    الجزء : 1  صفحة : 49
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست